الأحد، 1 يونيو 2008

باولو كويليو: كلمة "لا" كم هي مهمة!




ترجمة عبداللطيف السعدون:


يقول أم. هالتر: "ان هتلر قد خسر الحرب في ميدان القتال، ولكنه خرج منتصرا في ميادين أخرى، فبفضله أوجد رجال القرن العشرين معسكرات الأعتقال، وتفننوا في التعذيب، وعلموا أتباعهم أن بامكان المرء أن يغلق عينيه أمام المحن التي يتعرض لها الآخرون!" ربما كان هالتر على حق، ففي هذا العالم ثمة أطفال مشردون، ومدنيون مذبوحون، وأناس أبرياء يقبعون في السجون، وشيوخ وعجائز متوحدون، ومدمنون في أزقة عفنة، ومجانين يقبضون على السلطة! ومن الناحية الأخرى ربما كان هالتر على خطأ، فقد ولد "فرسان النور" الذين لن يقبلوا ما لا يمكن القبول به.
الكلمات الاكثر أهمية في أية لغة هي الكلمات القصيرة مثل كلمة (نعم) وكلمة (حب) وكلمة (الله)، وهي كلمات ليس سهلا نطقها فحسب، انما لها القدرة على ملء الأماكن الخالية في عالمنا، وهناك كلمة واحدة في كل اللغات، قصيرة هي أيضا، لكننا نعاني صعوبة في نطقها هي كلمة (لا)، وقد نرى أنفسنا مسامحين ومهذبين ومدركين حين نعتبر كلمة (لا) كلمة ملعونة ومفعمة بالأنانية، وننظر اليها على أنها ليست كلمة مقدسة بأية حال، لذلك نبدو حذرين من استخدامها، وهناك لحظات عندما نقول فيها للآخرين: نعم، فاننا في الحقيقة نقول لأنفسنا (لا)! ولكن كل الرجال النبلاء والنساء النبيلات في العالم بدلا من أن يقولوا (نعم)، فانهم يقولون (لا) كبيرة لكل ما هو غير متفق مع مفهومهم في العطاء والتطور.
"فرسان النور" يعرف أحدهم الآخر عبر النظر المجرد، وهم موجودون في العالم، ويشكلون جزءا منه، وقد أرسلوا اليه حفاة ومن غير مؤن تعينهم، وهم في غالبيتهم جبناء ولا يتعاملون دائما كما ينبغي، تسحقهم الاشياء التافهة وتقلقهم الأمور الصغيرة، ويشعرون بعدم قدرتهم على التواصل، وفي بعض الأحايين بأنهم غير مؤهلين لأية بركة أو معجزة. و"فرسان النور" يسألون بشكل دائم عما عليهم ان يفعلوه، وفي مرات كثيرة يخامرهم شعور بأن ليس لحياتهم اي معنى، وهذا هو سبب كونهم (فرسان نور)، لانهم ارتكبوا خطايا، لانهم سألوا، لانهم واصلوا البحث عن معنى لوجودهم، وقبل ذلك كله لأنهم ليست لديهم الشجاعة لكي يقولوا كلمة (لا) عندما يواجهون أحيانا اشياء لا يمكن القبول بها! نحن غالبا ما ننظر الى أنفسنا على أننا قليلوالأحتمال، لكن من المهم أن نشن الهجمات، وأن نقاتل في كل الظروف اذا ما رأينا ظلما أو ممارسات وحشية. لقد أقام هتلر نموذجا صار ممكنا تكراره لان الناس غير قادرين على ممارسة الاحتجاج، وتعزيز الكفاح ضد الظلم وتقويته.. دعونا نتذكر كلمات (جون بونيان) John Bunya مؤلف الكتاب الكلاسيكي "رحلة الحج": "رغم كل ما أعانيه أنا غير آسف على المشكلات التي واجهتها، ذلك لأنها هي التي حملتني الى المكان الذي كنت أريد الوصول اليه، والآن وأنا أقترب من الموت فان كل ما أملكه هو هذا السيف، ولسوف أسلمه الى كل من يرغب ان يواصل رحلة الحياة.. انني أحمل معي كل علامات وندوب المعارك التي خضتها وهي شواهد على كل ما عشته، وهي مكافأة عن كل ما غنمته، انها تلك العلامات والندوب الباقية التي ستفتح أمامي أبواب السماء. كان هناك ثمة وقت كنت أنصت فيه دوما الى قصص الشجاعة، كان هناك ثمة وقت عندما كنت أعيش فقط لأنني كنت محتاجا لأن أعيش، ولكني الآن أعيش لأنني محارب، ولأنني في يوم من الأيام كنت أرغب ان أكون في صحبة من باسمه كنت أقاتل بثبات." هكذا تبدو الندوب شيئا محتما عندما نقاتل الشر المطلق، أو عندما يجب علينا أن نقول (لا) لكل أولئك الذين يحاولون، و في بعض الأوقات يحاولون بحسن نية،اعاقة رحلتنا نحو الحلم!