الأحد، 1 يونيو 2008

أفق من لازورد للكاتبة الليبية ليلى النيهوم




قراءة / خالد درويش

الطفلة التي تتشبت بقدمي ابيها كي ينقذ لعبتها ،، هذا الب الذي أحبته كثيرا ولطالما تذكرته وهو يرفعها إلى وجهه " وكان حينها يجذبني بيديه الدبيتين الكبيرتين ، عازفا على خصري وكانه بيانو ، ثم يطويني "
في هذه القصة التي تختارها الكاتبة والمترجمة الليبية ليلى النيهوم في اول ما يصادفك من الكتاب تحت عنوان " ابي والقطار " وهي قصة للكاتبة النيوزيلاندية دونا لي والتي تعمل في اوكلاند وتنشر في العديد من المجلات النيوزيلاندية مثل الاستراليان جورنال والنيوزيلاند بيليكايشن ،، حيث تختلط الذكريات في رأسها فتقدم صورة لأبيها الحنون الهادئ الذي يلعب معها لعبة التهجي للكلمات أثناء سفرهم بالقطار لغرض تزجية الوقت حيث يذكر الأب الرحف الول من كلمة ما لتعدد الطفلة كلمات ذات معان مختلفة تبدأ بذات الحرف إلى ان تصل في النهاية إلى الكلمة المراد وهي طريقة يتخذها الأب لتعليم ابنته من طرف خفي اما حين تعجز الصغيرة فيضع الوالد الحل أمامها وهي تقول : أجل اجل وتبتسم حتى تكاد تقلق وعندما تجيب الطفلة عن الكلمة المطلوبة يضمها الأب أكثر ويقول لها اجلسي ، وأغمضي عينيك .. هاهي جائزتك ــ قبلة من ملاكك .
ثم يأتي دور الطفلة في هذه اللعبة بانتقاء كلمة تبدأ بحرف نعين ليبحث عنها الأب في ذاكرته وهكذا .
وعبر سرد جملة من الذكريات نكتشف انها أوقعت لهبتها " الدمية دليلة" تحت القضبان لتستنجد بالأب كي ينقذها لها ( بابا ، دليلة وقعت ،، بابا أنقذها ) وتتداخل القصة حيث يتبين أن القطار هو من قتل اباها تحت قضبانه " رغم ان هذا حدث منذ عشرين سنة مضت ، كان ابي رجلا لطيفا وصيره الموت أكثر لطفا " ، في عذوبة تنقلنا الكاتبة إلى هذه الازدواجية في الصور المركبة والمتداخلة بين القطار وسقوط الدمية وموت الأب !
وكذلك تنجح المترجمة في نقل كل هذه الصورفي سلاسة ويسر لدى القارئ .
ولعل الربط بين الإهداء في بداية الكتاب والقصة الأولى لـ " دونا لي " ما يبرره خصوصا إذا عرفنا أن المترجمة تهدي كتابها الأوللا لإبلا أبيها الذي لولاه ما كانت شغوفة باللغات كما كتبت .
الكتاب صدر عن منشورات مجلة المؤتمر ويحتوي على سبع قصص قصيرة مترجمة هي ( أبي والقطار ـ المصعد ـ خيارات ام ـ وردة توالي العمر ـ القبطان سيمورسي ـ البيت الصيفي و أفريقيا في الأفق لكارلوس غارديني .
أفريقيا في الأفق

( شعر أرغوز بجذب في ذراعيه. سمع صوت تمزق، ولمح القصبات تتكسر. كان يهوي مباشرة نحو الجرف، كأنما يهوي من ارتفاع آلاف الأمتار. أغمض عينيه، لكنه ظل يرى إفريقيا .. إفريقيا .. ضحك بسعادة .. سيسقط في البحر، وفي الماء حيث سيملأ دم دانييل الطافي رئتيه، ولسوف يتماوج دمهما ورماد دانييلا بجذل فوق الأمواج التي تتلاحق على شواطىء
إفريقيا الرملية البيضاء ..) 57 ص
حلم أفريقي مصنّع داخل مخيلة " أراغوز" صانع الأحلام المنعزل بعد فقدانه لزوجته والتي احبها كثيرا ، ليعيش وحيدا مع ابنه " دانييل "
اراغوز شخص ماهر في إعادة تركيب الأشياء التالفة كالأجهزة الكهربائية وغيرها وبهذا سيكون مصدر رزقه مما يصلحه لجيرانه ومعارفه بمعرفته لهذه الأشياء ، يتوصل اراغوز إلى صناعة طائرة ورقية لتحول إلى حلم ورمز يهتم له ويؤرقه ،، هذا الحم الذي يرثه عنه الصغير الذي ملأه بحب افريقيا والشوق لها .
" دانييل " في غفلة من والده يخرج طائرة الورق من المرآب ويحاول الطيران بها .. لتتفلت من رباطها فيسقط مهشما على الصخور .
( رمى الصور في البحر .. بفعله هذا حاول أن يمسح من ذاكرته تلك العبارات البلهاء عن رشاقة الطيور وتجاوز الطبيعة .. ولكن حتى آنذاك ، لم يستطع إرغام نفسه على رمي الطائرة ، الطائرة كانت المذبح حيث يبجل ذكرى دانييل .ز حيث يصلى كل يوم لأجله ويسأله الصفح ) 51 ص
فيقع الوالد في صدمة كبرى الذي يظل يؤنب نفسه ويحملها هذا الجرم باعتباره هم من زرع هذه الأحلام في مخيلة طفل صغير .
ولد كارلوس غارديني ويعيش في بوينس ايريس ـ الأرجنتين تحصل على جائزة المسابقة الوطنية في القصة القصيرة وعضو في برنامج الكتابة الدولي ــ جامعة ايوا امريكا . هذه القصة التي تترجمها المترجمة الليبية ليلى النيهوم إلى العربية بتقنية شديدة واسلوب رفيع وهي من اجمل قصص المجموعة .

عبر زاويتها الصحفية قدمت لنا المترجمة العديد من كتاب العالم اللذين يكتبون بالانجليزية وهي في افقها هذا تنضحنا بمجموعة أخرى حول العالم من الأرجنتين ونيوزيلاندا واسبانيا وسان فرانسيسكو والهند ونيواولينز وغيره .