الأحد، 1 يونيو 2008

سراب الليل قراء عبد الدائم اكواص



بقلم : عبدالدائم اكواص

" القصة وببساطة تامة على النحو التالي : إلتقى (مختار) وهو ابن بوليس ملكي سابق بـ(فاطمة) وهي ابنة موظف في الأوقاف صحبة صديقين وصديقتين لهما في الحديقة ، ونشأت بينهما علاقة حب ، ثم هجرته وظل في الحديقة التي التقاها فيها أول مرة ، ومضت فاطمة تبحث عن حياة مختلفة يكون فيها المال أهم متطلباتها وأهدافها ، مما يوقعها في شباك الدعارة ، كل ذلك والبلاد مشغولة تماماً بالعلكة التي كانت تركيا أهم مصدريها لليبيا في تلك الفترة وذلك عبر تجارالشنطة !! تلك هي القصة وما عداها هوامش !!" . هكذا يلخص الكاتب (منصور بوشناف) روايته الأولى (العلكة-سراب الليل) ، ولكن بمجرد إطلاعي عليها اكتشفت بأن الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك ، وأن اللعبة أكبر بكثير من مجرد قصة حب بين رجل وامرأة ، وأن التفاصيل التي وصفها (بوشناف) بالهوامش ليست كذلك ، بل تمثل مجموعة من أحجار الفسيفساء التي باجتماعها تتكون الصورة العامة أو بانوراما الرواية . وعلى الرغم من اللغة البسيطة التي استعملها الكاتب ، والتي وصفها باللغة الصحفية؛ إلا أنني اعتبر هذه الرواية الصغيرة حجماً من أكثر الروايات التي قرأتها تعقيداً ، فلا أكاد أمرّ على شيء فيها لا يرمز إلى شيء آخر ، فهي رواية مليئة بالرموز والدلالات والإسقاطات ، وهي بذلك ليست رواية "طيبة" أو "محايدة" ؛ بل رواية مستفزّة ولاذعة ، بل وصادمة أيضاً.
هل نستطيع-إذاً-أن نقول أن المعنى في بطن الكاتب ؟...ممكن جداً ؛ فهذا الكم الكبير من الدلالات والرموز والإسقاطات-كما سبق وذكرت- يستوجب أكثر من قراءة ، بل وأكثر من مجرد القراءة ، بحيث يجب علينا أن نغوص بعمق ، وأن نسير بعيداً إلى ماوراء اللغة البسيطة والمعنى الظاهري ، وأن ننظر للرواية من أكثر من زاوية ، لعلنا نستطيع أن ندرك المقصد الحقيقي من وراء تلك الرموز. أنا لا أقصد إطلاقاً أن هذه الرواية "عبقرية" ، أو أن فهمها يحتاج إلى "عباقرة"؛ ولكنني حاولت أن أجد وصفاً مناسباً لما قرأته فيها "ككلمات" ، ومن خلالها "كمعانٍ عميقة" . ولكي أريح القارئ وأريح نفسي ؛ يمكنني –ببساطة كتلك التي كتبت بها هذه الرواية- أن أصفها بأنها "رواية مثيرة للشك" .
لقد تفادى "منصور" في هذه الرواية العادي والمألوف من أساليب كتابة الرواية ، وأقول تفادى ولا أقول "اخترع" أو "ابتكر" لأنه لم يكن-حسب اعتقادي- يبحث عن كتابة رواية "عظيمة"، بقدر ماكان يبحث عن كتابة رواية حقيقية صادمة ، والأهم من ذلك أنها تجعل القارئ يفكر ويفكر ثمّ يعيد التفكير فيما فكر فيه ، أي أن التفكير يصبح "علكة" يلُوكُها العقل ولايصل إلى شيء سوى لمزيد من الشك .
أنا-في هذه القراءة- لن أتورط في سرد أحداث الرواية ، أو في محاولة سبر أغوارها واستخلاص الدروس المستفادة ، بل أُقر بأنني قد خرجت منها بكمٍّ كبير من الشكوك حول دلالاتها، وحول فهمي لها ، فكلما كنت أقبض على معنى نهائي ؛ تسلل الشك إليّ ، وأصبح ذلك المعنى النهائي مجرد اعتقاد يشوبه شعور بالخطأ . ولعل ذلك هو أجمل ما في هذه الرواية ، أعني أن القارئ لا يصل معها إلى "ذروة"، كما ليس هناك ما يمكن أن نسمّيه "تجمعياً" للأحداث أو تصاعداً درامياً يصل بالقارئ إلى برّ الأمان أو الحقيقة المطلقة عند نهاية الرواية ، بل ستكون رحلة القارئ خلالها عبارة عن انتقال من معنى يثير الشك إلى شك يقوض المعنى ، وهكذا إلى أن يصبح العقل "يلوك" المعاني والشكوك ولايصل إلى حقيقة مطلقة ، وبذلك يكون (بوشناف) قد نجح في أن يجعل القارئ يفكّر بهوس ، ونجح أيضاً في أن يجعل روايته مناسبة لكل قارئ ، فكل قارئ يمكن له أن "يعلك" أحداثها وشخوصها كما يريد ، وأن يشكّ في-حتى لا أقول يفهم- معانيها كما يشاء .

ليست هناك تعليقات: