الأحد، 1 يونيو 2008

توقيع أنا الليبي متصل النشيد للشاعر الليبي خالد درويش بالقاهرة...




ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب وفي جملة توقيعات قام بها مجلس الثقافة العام بالاشتراك مع دار قباء المصرية وقع الشاعر الليبي خالد درويش كتابه ( أنا الليبي متصل النشيد) عن دار الحضارة العربية بالقاهرة وهو عبارة عن نشيد طويل يتغنى بحب الوطن ويتعرض لتاريخ ليبيا الطويل في صياغة وجدانية وحرقة شعرية واضحة ،، وقد طبعه الشاعر على نفقته الخاصة ،، اما ديوانه الصادر عن مجلس الثقافة العام فقد كان بعنوان ( انا من راود التحنان ياكوب) . ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب وفي جملة توقيعات قام بها مجلس الثقافة العام بالاشتراك مع دار قباء المصرية وقع الشاعر الليبي خالد درويش كتابه ( أنا الليبي متصل النشيد) عن دار الحضارة العربية بالقاهرة وهو عبارة عن نشيد طويل يتغنى بحب الوطن ويتعرض لتاريخ ليبيا الطويل في صياغة وجدانية وحرقة شعرية واضحة ،، وقد طبعه الشاعر على نفقته الخاصة ،، اما ديوانه الصادر عن مجلس الثقافة العام فقد كان بعنوان ( انا من راود التحنان ياكوب) وهي قصائد كتبت في فترة سابقة تميزت بنبرته الغنائية ،، وقد شهد معرض القاهرة هذا العام مشاركة ليبية ملحوظة وحضور مكثف لأدباء أوفدتهم أمانة الثقافة للمشاركة والحضور . وقد شارك الروائي احمد ابراهيم الفقيه في ندوة عن نجيب محفوظ وكذلك الشاعرة أم العز الفارسي في ندوة عن المرأة في المجتمع المدني وأقيمت ندوة القصة الليبية شارك فيها محمد العمامي ومحمد المسلاتي وغيرهم وفي عكاظ الشعراء ازدان اليوم الختامي بمشاركة ليبية وافرة تمثلت في الشاعر ربيع شرير الذي قرأ من ديوانه ( الأسير سيد العالم ) الذي يصدر في القاهرة هذه الأيام والشاعر خالد درويش الذي قرأ من ديوانه ( بصيص حلق ) وقد نالت قصيدته تكذيب رسمي لأبي القاسم الشابي الكثير من الاستحسان والتعليق أما الشاعر المحكي سالم العالم فقد امتع الجمهور بقصائده مثل ياساكنة في الريح وغيرها.

تكذيب رسمي لأبي القاسم الشابي
وتكذب تكذب يامن تقول

إذا الشعب يوما أراد الحياة

فهذي القيود ولم تنكسر

وهذي الكراسي هي الباقيات

وليس لليل بأن ينجلي

وما من خلود سوى للطغاة

أمسية شعرية مشتركة بين الشاعرتين فاطمة بن فضيلة و الشاعرة ام الخير الباروني




بوح المطر التقاء شعري تونسي ليبي
أمسية شعرية مشتركة بين الشاعرتين فاطمة بن فضيلة و الشاعرة ام الخير الباروني
متابعة وتصوير :صابر الفيتوري
من تنظيم رابطة الصحفيين والإعلاميين بشعبية طرابلس أقيمت أمسية شعرية للشاعرتين "فاطمة بن فضيلة" من تونس والشاعرة الليبية" ام الخير الباروني" حضر الأمسية لفيف من الكتاب والأدباء والصحفيين والمهتمين بالشعر حيث باحتا بقصائد مطيرة من عذب القول في أجواء من الاحتفاء والإنصات لما جادت به القرائح من شعر التقي فيه نموذجين من الشعر النسوى ذي الخصوصية كونه يتعامل مع المفردة الرشيقة الجميلة التي تحمل هاجس المراة العربية وما يحيطها من تفاصيل ترتبط بأحلامها وأمانيها المتطلعة للجمال وبتعبير صادق دون مواربة وهذا ما كان حاضرا في الأشعار التي اختيرت لتلقي علي مسامع الحاضرين ..
قدم الشاعر "محمد الهريوت" الشاعرتين بمحاولة قراءة خصائص الاشتراك بين الشاعرتين التونسية التي تمثل تونس الخضراء و الالق الشعري التونسي والشاعرة الليبية التي يرسم اللون الأخضر النقي اهتماما شعري وحضورا في قصائدها وما يمثله اللون الأخضر من وشائج حب وجدانية عند جل الشعراء الليبيين ..
الشاعرة التونسية الضيفة " فاطمة بن فضيلة " التي لم تبتعد عن بلدها تونس لم تري أنها ابتعدت وشعرت أنها بين الشعراء الليبيين وكأنها بين أبناء قريتها فالشعراء لهم قرية واحدة حالمة يعيشونها معا كما قالت وهي من وصفتها الشاعرة التونسية " جميلة الماجري " بأنها تملك بذرة الشعر الأولي وهي اللغة حيث يصبح النص الشعري عن " فاطمة" لعبة لغوية مع الشغف لصياغة الصورة الشعرية دون تكلف واصفا إياها بالرسامة الماهرة التي تقتبس ألوانها من ألوان الطيف بريشة من خيط الغيم فتلمع النجوم علي ورق علي يديها مبرزة الخصوصية والجرأة في دنيا الكتابات النسوية فبوحها يفتح عوالم المراة السرية دون ابتذال ويكشف فيه حفر أنثوي لشاعرة متمكنة من أدواتها الفنية..
وافتتحت الأمسية بقصيدة كتبت في طرابلس وأهدتها لطرابلس عنونتها بالاسم القديم لطرابلس " أويا " تقول القصيدة :-
أويا
لملمي بخار الغيب
واكتمي الطريق علي الرقيب
لا تبعثري سحرك للعابرين
زمن البداية أنت
منذ انبلاج الفجر
أويا
ما الذي يرجو الغريب
إذا أتاك مسربلا بالمجد
أويا.. احذري مينائك الغربي
لا تدعي الرياح تشوش هذا السحر
لملمي مفاتنك ولا تامنى تزف البحار
ولا انحصار البحر..
وتتابعت في إلقاء قصائد من مجموعتها الشعرية التي صدرت العام الماضي " من ثقب الروح أفيض" وعمدت أن تشكل قصائدها بين القصائد المختزلة التي تضم صورا مكثفة والقصائد الانفعالية التي تحمل موقفا كقصيدتها عن المربد ..من النصوص
نص بعنوان بين يوسف وسليمان
أمر النحل ان شيد لها قصرا من شهد
وأن املأ انهار القصر :
النهر الأول عسلا ابيض
النهر الثاني عسلا ذهبيا
والثالث بالعسل الأسود
وأمر النمل
ان احمل خيرات الأرض لها
تمر البصرة , عنب الشام ,حرير الهند
يواقيت بلاد الصين ,فواكه افعانستان
متاحف مصر وفراء من قطب الأرض المهجور
وأمر الهدهد ان حلق فوق سماوات القصر
واملأ باحته رقصا و غناء وافرك قدميها بماء الزهر
تم قدم الشاعر " محمد الهريوت" الشاعرة " ام الخير الباروني" التي ألقت علي الأسماع عدد من القصائد الرقيقة الصادحة بالرومانسية والإجلال الشعري وهي الشاعر التي قال عنها الشاعر الكبير المرحوم" لطفي عبد الطيف " واصفا ملمحا في شعريتها متسائلا عن هذا الحاد الفائق العذوبة التي تنسابين معه شبحا لأمنية وهذه الأحلام الفارة من عيون أصحابها مذعورة لتختفي عندك مازجا بين وظيفتها الحياتية العلمية وكونها شاعرة فكتب يقول أنت الكيمياء التي ستكشفين يوما انه لأفرق ذا حجم بين كيمياء الدواء وكيمياء الكلام وكأنه يصف كتابتها بالتحضير الدقيق الحريص داخل مختبر اللغة والصورة والإبداع ..
حيث بدأتها بقصيدة بعنوان تساؤلات
تقول فيه :-
أتساءل عن لون العتمة
عن لون الأمل المتعلق
بأذيال الظلمة
عن لون العشب النامي
بعد أن تهطل سحب الأوهام
ولون الأفق المترامي
بعد أن تشرق شمس الأحلام
عن لون ضفاف ذاكرتي
ومرافئ شطان النسيان
****
هذا المساء
والمطر ثرثار عجوز
يهمهم في خفوت
يملؤني اشتهاء
لان نكون معا
وأنت..
بعيد ..
بعيد كالغد
قريب كهمس الذكريات
وأنا لحظة احتضار قلقة
قطرة .. قطرة
وأضافت باقة مختارة من قصائدها التي جمعتها في مجموعتها الشعرية الجديدة" لحاف الضوء " التي صدرت حديثا من منشورات مجلة المؤتمر وهي نصوص قصيرة بنفس شعري يقتنص اللحظة بإتقان منها ( ارتباك ) (خوف) ولحاف الضوء ..
خوف
البارحة
بعدما غادر تني
وعلي غير عادتي
لم اقرب الماء
لم اشرب
خفت
خفت أن انطفئ
بعد ذلك توقفت الأمسية لاستراحة قصيرة ولتناول المرطبات عاد بعدها التقاء الشعر بحالة الاستماع فألقت الشاعرة التونسية وأعقبتها الشاعرة الليبية بنصوص قصيرة ..
قبيل الختام فتح المجال لتداخل الحاضرين فتحدث الكاتب "حسن الفيتوري" مقدما بعض الملاحظات النقدية حول بوح الشاعرتين فعبر انه لامس نضجا في اللغة في نص أويا الحديث للشاعر "فاطمة بن فضيلة "واحتوي النص علي استعداد لقول الصورة الشعرية اما في نص المربد فكان هناك وجع طغي علي الاشتغال علي النص من ناحية فنية وفيه لغة مباشرة وهي لغة لم ترتقي الى نص أويا اما نص (بين يوسف سليمان ) فشد انتباهي القدرة علي استحضار الأسطورة سائلا عن إمكانية النص " السليماني " إن جاز التعبير ومدي توظيفه شعريا ؟
وعن الشاعر ام الخير الباروني تحدث قائلا انها تملك جمل سردية ممتعة واستحضر بدايات الشاعرة عندما كانت تكتب القصة وتميزها في كتابة القصة ولماذا لم تواصل كتابة القصة فأنها ان واصلت كتابة القصة ستحقق شيئا مهما وكنت منذ ذلك الوقت قبل عشر سنوات اعتقد ان لها مستقبلا في السرد ..
وكان "حسن الفيتوري " هو المتداخل الوحيد وفتح المجال للشاعرتين للرد والإجابة علي التساؤلات المساقة فقالت الشاعرة فاطمة بن فضيلة الجميل الا تمر الأمسيات هكذا شعرا فقط فالتناول النقدي يفتح براحات أمام الشاعر وأوافق علي ان قصيدة المربد فيها بعض الشيء مباشرة لكن موضوع القصيدة لا يمكن الا وان يكون كذلك وأنا تعمدت ان أقراها لأقدم نماذج مختلفة من إبداعي في جملة من تجريبا ته ..
وفي إجابة عن حضور القصة في تناول ام الخير الباروني الإبداعي اعتبرت انها تحب الشعر وتحب ان تكون شاعرة وتثيرها رغبة التقمص او التوحد التي يستفرد بها الشعر وهي عملية تواصل من الذات والي الذات ..


أفق من لازورد للكاتبة الليبية ليلى النيهوم




قراءة / خالد درويش

الطفلة التي تتشبت بقدمي ابيها كي ينقذ لعبتها ،، هذا الب الذي أحبته كثيرا ولطالما تذكرته وهو يرفعها إلى وجهه " وكان حينها يجذبني بيديه الدبيتين الكبيرتين ، عازفا على خصري وكانه بيانو ، ثم يطويني "
في هذه القصة التي تختارها الكاتبة والمترجمة الليبية ليلى النيهوم في اول ما يصادفك من الكتاب تحت عنوان " ابي والقطار " وهي قصة للكاتبة النيوزيلاندية دونا لي والتي تعمل في اوكلاند وتنشر في العديد من المجلات النيوزيلاندية مثل الاستراليان جورنال والنيوزيلاند بيليكايشن ،، حيث تختلط الذكريات في رأسها فتقدم صورة لأبيها الحنون الهادئ الذي يلعب معها لعبة التهجي للكلمات أثناء سفرهم بالقطار لغرض تزجية الوقت حيث يذكر الأب الرحف الول من كلمة ما لتعدد الطفلة كلمات ذات معان مختلفة تبدأ بذات الحرف إلى ان تصل في النهاية إلى الكلمة المراد وهي طريقة يتخذها الأب لتعليم ابنته من طرف خفي اما حين تعجز الصغيرة فيضع الوالد الحل أمامها وهي تقول : أجل اجل وتبتسم حتى تكاد تقلق وعندما تجيب الطفلة عن الكلمة المطلوبة يضمها الأب أكثر ويقول لها اجلسي ، وأغمضي عينيك .. هاهي جائزتك ــ قبلة من ملاكك .
ثم يأتي دور الطفلة في هذه اللعبة بانتقاء كلمة تبدأ بحرف نعين ليبحث عنها الأب في ذاكرته وهكذا .
وعبر سرد جملة من الذكريات نكتشف انها أوقعت لهبتها " الدمية دليلة" تحت القضبان لتستنجد بالأب كي ينقذها لها ( بابا ، دليلة وقعت ،، بابا أنقذها ) وتتداخل القصة حيث يتبين أن القطار هو من قتل اباها تحت قضبانه " رغم ان هذا حدث منذ عشرين سنة مضت ، كان ابي رجلا لطيفا وصيره الموت أكثر لطفا " ، في عذوبة تنقلنا الكاتبة إلى هذه الازدواجية في الصور المركبة والمتداخلة بين القطار وسقوط الدمية وموت الأب !
وكذلك تنجح المترجمة في نقل كل هذه الصورفي سلاسة ويسر لدى القارئ .
ولعل الربط بين الإهداء في بداية الكتاب والقصة الأولى لـ " دونا لي " ما يبرره خصوصا إذا عرفنا أن المترجمة تهدي كتابها الأوللا لإبلا أبيها الذي لولاه ما كانت شغوفة باللغات كما كتبت .
الكتاب صدر عن منشورات مجلة المؤتمر ويحتوي على سبع قصص قصيرة مترجمة هي ( أبي والقطار ـ المصعد ـ خيارات ام ـ وردة توالي العمر ـ القبطان سيمورسي ـ البيت الصيفي و أفريقيا في الأفق لكارلوس غارديني .
أفريقيا في الأفق

( شعر أرغوز بجذب في ذراعيه. سمع صوت تمزق، ولمح القصبات تتكسر. كان يهوي مباشرة نحو الجرف، كأنما يهوي من ارتفاع آلاف الأمتار. أغمض عينيه، لكنه ظل يرى إفريقيا .. إفريقيا .. ضحك بسعادة .. سيسقط في البحر، وفي الماء حيث سيملأ دم دانييل الطافي رئتيه، ولسوف يتماوج دمهما ورماد دانييلا بجذل فوق الأمواج التي تتلاحق على شواطىء
إفريقيا الرملية البيضاء ..) 57 ص
حلم أفريقي مصنّع داخل مخيلة " أراغوز" صانع الأحلام المنعزل بعد فقدانه لزوجته والتي احبها كثيرا ، ليعيش وحيدا مع ابنه " دانييل "
اراغوز شخص ماهر في إعادة تركيب الأشياء التالفة كالأجهزة الكهربائية وغيرها وبهذا سيكون مصدر رزقه مما يصلحه لجيرانه ومعارفه بمعرفته لهذه الأشياء ، يتوصل اراغوز إلى صناعة طائرة ورقية لتحول إلى حلم ورمز يهتم له ويؤرقه ،، هذا الحم الذي يرثه عنه الصغير الذي ملأه بحب افريقيا والشوق لها .
" دانييل " في غفلة من والده يخرج طائرة الورق من المرآب ويحاول الطيران بها .. لتتفلت من رباطها فيسقط مهشما على الصخور .
( رمى الصور في البحر .. بفعله هذا حاول أن يمسح من ذاكرته تلك العبارات البلهاء عن رشاقة الطيور وتجاوز الطبيعة .. ولكن حتى آنذاك ، لم يستطع إرغام نفسه على رمي الطائرة ، الطائرة كانت المذبح حيث يبجل ذكرى دانييل .ز حيث يصلى كل يوم لأجله ويسأله الصفح ) 51 ص
فيقع الوالد في صدمة كبرى الذي يظل يؤنب نفسه ويحملها هذا الجرم باعتباره هم من زرع هذه الأحلام في مخيلة طفل صغير .
ولد كارلوس غارديني ويعيش في بوينس ايريس ـ الأرجنتين تحصل على جائزة المسابقة الوطنية في القصة القصيرة وعضو في برنامج الكتابة الدولي ــ جامعة ايوا امريكا . هذه القصة التي تترجمها المترجمة الليبية ليلى النيهوم إلى العربية بتقنية شديدة واسلوب رفيع وهي من اجمل قصص المجموعة .

عبر زاويتها الصحفية قدمت لنا المترجمة العديد من كتاب العالم اللذين يكتبون بالانجليزية وهي في افقها هذا تنضحنا بمجموعة أخرى حول العالم من الأرجنتين ونيوزيلاندا واسبانيا وسان فرانسيسكو والهند ونيواولينز وغيره .

لقاء مع الشاعرة والباحثة القانونية غادة العبار


لا شيء يقف أمام طموحاتي وأحلامي ليس لها نهاية
والنقد لا يصنع شاعرة ولا ينهي من تجربتها أيضاً

حوار محمد الرميح

المـرأة الليبية بصورة عامة هـي امتداد لشاعرات ملأن الدنيا بأشعارهم شـاركن وزاحمن الرجال في هذا المعترك الأدبي الشعري ومـن بين الأسمـاء الشعرية الشابة الذين وضـعوا ببصماتهم وكتباتهم الشعرية في هذا العالم الساحر فعندما نتكلم عن الشعر والشعراء فسيفرض أسمها من بين هؤلاء الشعراء الشباب التي نتشرف بما يخطه أقلامهم مـن مشاعر وأحاسيس تعبر عن مكامن أحاسيسنا ومشاعرنا ضيفتنا اليوم الشاعرة غادة العبار التي تسـري حروفها في نبض العروق وصاحبة الحس المرهف والعواطف الجياشة التي تنتقل مـن حنايا قلبها ولا نملك أن نقول سر تألقها في سلاسة أسلوبها والموسيقي العذبة التي تتراقص بين كلماتها والتي حضينا ليكون معها هذا الحوار
من هي غادة العبار؟
غادة العبار مواليد 1964 شعبية من عائلة متواضعة بسيطة اجتماعية أحب إسعاد كل من حولي حتى لو كان علي حساب نفسي أحـب التعرف علي الآخرين ومشاركتهم والتعبير عن أحاسيسهم أشتغل حالياً كباحة قانونية بجامعة قاريونس إنسانة تطمح بأن تحقق أهدافها وتسعي جاهدة لخدمة هذا الوطن التي تشرفت بان تكون منه
كيف بدأت علاقتكِ بالقلم و الشعر على وجه الخصوص ؟
عشقت القلم و الورقة منذ تعرفت عليهما و نشأت بيني و بينهما صداقة من نوع خاص بدأت في طفولتي في صياغة الجمل القصيرة وكان هذا في المرحلة الإعدادية ومع مرور الوقت زاد الاهتمام بهذه الموهبة والحمد الله شاركت في العديد من المهرجانات التي تقام في المدينة وتحصلت علي ترتيب متقدمه وهذا راجع من الدعم الذي تلقيته من عائلتي التي كانت مقتنعة بما أكتبه ومتفائلين بي بان أكون في المستقبل شاعرة
نجاح الإنسان يعتمد إلى حد كبير على علاقة الحب التي تنشأ بينه وبين أدوات عمله فكيف تصفين علاقتك بالقلم ؟
علاقتي بالقلم فالقلم هو المتحدث الرسمي عن ما أحس به و أراه في المحيط الخارجي فمن خلالها أعبر عن ماأحس فحبي لها هو الرابط الحقيقي لهذه العلاقة الذي أحاول أن أصل بكلمات لقلوب الناس حتى أتمكن من التعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم
من الشخصيات المؤثرة في حياة الشاعرة غادة العبار سواءً في كتابة الشعر ؟ بصراحة في مجال كتابة الشعر لم أتأثر بأحد من الشعراء ولكن أحببت القراءة للكثير من الشعراء الذين يعجبونني كتباتهم الشعرية من ضمنهم المرحوم الشاعر عبدالله عبدالمحسن والشاعر حسن السوسي والشاعرة وجدات شكري وكذلك الشاعر المتميز نزار
لكل كاتب أسلوب خاص و أجواء يفضل الكتابة فيها أو حالة معينة تدفعه للإبداع فهل يخلق الشاعر هذه الأجواء أم يترقب تهيؤها له ليعايش اللحظة بلحظة بصدق أكبر ؟
الشاعر إن لم تهاجمه الرغبة في الكتابة فلن يستطيع بأن يحرر حرفاً و الأجواء الكتابية تفرض نفسها عليه عندما تتملكه الرغبة في التعبير أما عني شخصياً فلا يوجد وقت محدد للكتابة الشعر بكل تكون الكتابة في الوقت الذي يستوجب عليا مسك القلم والتعبير عما يجول في خاطري وأظن أي شاعر يوافقني الرأي .
هل تعتقدين ارتباط الشاعر بوظيفة صحفية أو مواعيد محددة لتسليم قصائده يتسبب بنوع من الضغط و يجعله في بعض الأحيان يقدم أعمال و هو غير راضٍ عنها ؟
الشاعر طبيعته لا يحب التقيد أو الروتين لكن إذا كان مرتبط بوظيفة صحفية أو مـواعيد محددة لتسليم قصائده في موعد معين فهذا سيؤثر على جودة إنتاجه الشعري أو ربما العكس و هذا الأمر أعتقد أنه يرجع إلى موهبة الشاعر و أظن من ينظر إلى الشعر كمهنة فقط فلن يكون إنتاجه بجودة من يكتب الشعر للشعر
هل تعتقدين ضرورة النشر للشاعر هل من الضرورات الاعتراف به كشاعر؟
لا أظن هذا فالكثير من الشعراء لا يهتمون بالنشر بل تكون كتباتهم محفوظة في الذاكرة وربما في ذاكرة العديد من يستمعون إليهم ولكن في وقتنا الحالي النشر وسيلة من وسائل التعرف علي الشاعر فهي الطريقة لوصول كتباته للقاري والحكم عليها بأنه يستحق أن يطلق عليه كلمة شاعر أو ينسحب من هذا المجال
هناك شكوى من المواهب الشعرية الشابة تتذمر من تهميش دور الصغار و الاهتمام بالأقلام المعروفة فقط فهل عانيتِ من هذه المشكلة ؟
المشكلة التي تواجه الأقلام الشعرية الشابة من تهميش نابعة عن عدم الإيمان بجيل الشباب فالجيل السابق من الشعراء ينظر بعدم الثقة لقدرات جيل الشباب لأنه ينظر إليه على أنه جيل متسرع ويريد الحصول على كل شيء بسرعة.الواجب على جيل الشباب إثبات نفسه ففي نظري في بعض أبناء هذا الجيل من يملكون الأفكار الجديدة المفيدة التي قد تساهم من تطوير مجال الشعر وأتمنى من الجيل السابق أن يدعم الشباب و يمنحهم الفرصة للتعبير عن قدراتهم فالشباب سيكونون الامتداد لهم أما بالنسبة لي فأنا كنت محظوظة لأنني و لله الحمد و جدت الدعم و لم تواجهني أي صعوبات
ما تعريف الكتاب بالنسبة لكِ ؟ و لمن تقرأين في الوقت الحالي ؟
الكتاب بالنسبة لي عالم يعطي و لا يأخذ و مضمون الكتاب إن كان جيداً يفيد كثيراً بتنمية القدرة على التفكير و التعمق بأمور كثيرة في الحياة وللأسف لا يوجد كتاب محدد أفضل قراءته لأنني أحب القراءة والمطالعة لكل ما هو ومفيد يزود بالمعلومات
هل من نصيحة توجهينها للشباب الذين يخطون خطواتهم الأولى في مجال كتابة الشعر ؟
أنا لم أصل بعد لدرجة توجيه النصائح فأنا نفسي لا أزال أخطو خطواتي الأولى في مجال كتابة الشعر ولكن أود أن أوجه كلمة للجيل الشاب بأن يواصلوا الاستمرار إذا كان لديهم الإيمان في رسالتهم وأنصح كل الشعراء بتقبل النقد الموجة لهم لأنه لا يصنع شاعراً ولا ينهي تجربة أيضاَ والله ولي التوفيق
ما خطواتك القادمة ؟
بصراحة لي العديد من القصائد التـي تكون بمثابة ديـوان شعري وأطمح أن يصدر لـي ديوان خاص بي يضم هذه القصائد وأن نشاء الله سأسعى جاهدة ليخرج هذا الديوان للنور وحيز الوجود
انتهت المقابلة ولم ينتهي من أفكارنا بالفعل كلامك كنا أذان صاغية نسمع همساتك بعناية وشربنا من فرات كلماتك فقبل أن نودعكِ بماذا تختمين لنا هذا اللقاء ؟
أحيكم وأحي فيكم روح الشباب التي كنا نفتقدها والحمد الله الآن ها نحن أصبحنا في واقع ملموس وأتمنى لكم علي غرار هذا الوليد الصحفي النجاح والتوفيق وأشكركم علي السعي الدءوب في أبراز المواهب وإبداعات الشباب وان شاء الله كنت ضيفة خفيفة الظل علي قراء الصفحة الفنية

الشاعر خالد درويش


باولو كويليو: كلمة "لا" كم هي مهمة!




ترجمة عبداللطيف السعدون:


يقول أم. هالتر: "ان هتلر قد خسر الحرب في ميدان القتال، ولكنه خرج منتصرا في ميادين أخرى، فبفضله أوجد رجال القرن العشرين معسكرات الأعتقال، وتفننوا في التعذيب، وعلموا أتباعهم أن بامكان المرء أن يغلق عينيه أمام المحن التي يتعرض لها الآخرون!" ربما كان هالتر على حق، ففي هذا العالم ثمة أطفال مشردون، ومدنيون مذبوحون، وأناس أبرياء يقبعون في السجون، وشيوخ وعجائز متوحدون، ومدمنون في أزقة عفنة، ومجانين يقبضون على السلطة! ومن الناحية الأخرى ربما كان هالتر على خطأ، فقد ولد "فرسان النور" الذين لن يقبلوا ما لا يمكن القبول به.
الكلمات الاكثر أهمية في أية لغة هي الكلمات القصيرة مثل كلمة (نعم) وكلمة (حب) وكلمة (الله)، وهي كلمات ليس سهلا نطقها فحسب، انما لها القدرة على ملء الأماكن الخالية في عالمنا، وهناك كلمة واحدة في كل اللغات، قصيرة هي أيضا، لكننا نعاني صعوبة في نطقها هي كلمة (لا)، وقد نرى أنفسنا مسامحين ومهذبين ومدركين حين نعتبر كلمة (لا) كلمة ملعونة ومفعمة بالأنانية، وننظر اليها على أنها ليست كلمة مقدسة بأية حال، لذلك نبدو حذرين من استخدامها، وهناك لحظات عندما نقول فيها للآخرين: نعم، فاننا في الحقيقة نقول لأنفسنا (لا)! ولكن كل الرجال النبلاء والنساء النبيلات في العالم بدلا من أن يقولوا (نعم)، فانهم يقولون (لا) كبيرة لكل ما هو غير متفق مع مفهومهم في العطاء والتطور.
"فرسان النور" يعرف أحدهم الآخر عبر النظر المجرد، وهم موجودون في العالم، ويشكلون جزءا منه، وقد أرسلوا اليه حفاة ومن غير مؤن تعينهم، وهم في غالبيتهم جبناء ولا يتعاملون دائما كما ينبغي، تسحقهم الاشياء التافهة وتقلقهم الأمور الصغيرة، ويشعرون بعدم قدرتهم على التواصل، وفي بعض الأحايين بأنهم غير مؤهلين لأية بركة أو معجزة. و"فرسان النور" يسألون بشكل دائم عما عليهم ان يفعلوه، وفي مرات كثيرة يخامرهم شعور بأن ليس لحياتهم اي معنى، وهذا هو سبب كونهم (فرسان نور)، لانهم ارتكبوا خطايا، لانهم سألوا، لانهم واصلوا البحث عن معنى لوجودهم، وقبل ذلك كله لأنهم ليست لديهم الشجاعة لكي يقولوا كلمة (لا) عندما يواجهون أحيانا اشياء لا يمكن القبول بها! نحن غالبا ما ننظر الى أنفسنا على أننا قليلوالأحتمال، لكن من المهم أن نشن الهجمات، وأن نقاتل في كل الظروف اذا ما رأينا ظلما أو ممارسات وحشية. لقد أقام هتلر نموذجا صار ممكنا تكراره لان الناس غير قادرين على ممارسة الاحتجاج، وتعزيز الكفاح ضد الظلم وتقويته.. دعونا نتذكر كلمات (جون بونيان) John Bunya مؤلف الكتاب الكلاسيكي "رحلة الحج": "رغم كل ما أعانيه أنا غير آسف على المشكلات التي واجهتها، ذلك لأنها هي التي حملتني الى المكان الذي كنت أريد الوصول اليه، والآن وأنا أقترب من الموت فان كل ما أملكه هو هذا السيف، ولسوف أسلمه الى كل من يرغب ان يواصل رحلة الحياة.. انني أحمل معي كل علامات وندوب المعارك التي خضتها وهي شواهد على كل ما عشته، وهي مكافأة عن كل ما غنمته، انها تلك العلامات والندوب الباقية التي ستفتح أمامي أبواب السماء. كان هناك ثمة وقت كنت أنصت فيه دوما الى قصص الشجاعة، كان هناك ثمة وقت عندما كنت أعيش فقط لأنني كنت محتاجا لأن أعيش، ولكني الآن أعيش لأنني محارب، ولأنني في يوم من الأيام كنت أرغب ان أكون في صحبة من باسمه كنت أقاتل بثبات." هكذا تبدو الندوب شيئا محتما عندما نقاتل الشر المطلق، أو عندما يجب علينا أن نقول (لا) لكل أولئك الذين يحاولون، و في بعض الأوقات يحاولون بحسن نية،اعاقة رحلتنا نحو الحلم!

قراءة في نصوص القاص الليبي " عمر أبو القاسم الككلي "





بقلم : محمد الأصفر - ليبيا
منذ أنْ تعرفت على عالم القصة وركـّـزت على قراءة القصص القصيرة والاستمتاع بها بطريقتي شدّتني قصص الكاتب الأرجنتيني الكبير بورخيس .. هذا الإنسان الذي قرأ حتى أصابه العمى .. وحتى بعد أنْ فقد بصره ظل يقرأ عبر عيون رفيقته وأصدقائه وعبر عيون الحياة الكامنة في المخيلة واصل القراءة وهو أعمى أيضاً بواسطة الصمت .. الجميل في بورخيس أنَّ معظم قصصه كانت عن المعرفة .. عن الاكتشاف .. عن الطفل الذي تكوّن وولد ووجد نفسه ملطخاً بالحبر الأحمر المـر المؤلم فصار يحبو على التراب يخضّره ويذهبّه ويضيئه.. يكتب بورخيس كما الطفل في رحلة حياته التي وإن سارت بصورة طبيعية توصله إلى الشيخوخة والموت في سلام .. فنصوصه رحلة عبر الحياة تكتشف الذات وما يحيطها .. يكتشف الأحلام بدرجاتها وأنواعها كلها .. كان بورخيس يسّود الورق خاطاً طريقاً مشتعلاً .. هذا الطريق ليس مستقيماً لكنه متعرجاً وهذه التعرجات هي التي منحتنا متاهة نراها واضحة في قصائده وقصصه .. والنص المتهاوي هو النص الذي يحترم القارئ ويسلمه قبساً ليحفزه على مواصلة البحث والخروج من هذا اللغز .. الطفل يخرج من الحياة عن طريق الموت .. والنص يخرج من الحياة عن طريق اللا فن .. لذلك نجد أنَّ الفن شيء مؤلم كالنار أو كالجمر أو كما يقول السلفيون كالإيمان .. أقصد القابض على الإيمان كالقابض على الجمر .
معظم نصوص بورخيس لها علاقة بالكتب .. وفي الوقت نفسه قصصه ليست طويلة كلمات .. لكنها طويلة رؤية ..تقرأ له فتتورط .. تصير مُقلِّباً للذي قرأته على الجوانب جميعها لتجعل المقروء ينضج.. لكنه لا ينضج ليس لأنه نيء .. أو متحشرف وشارف .. لكن لأنَّ حطب نارك قد بلله دمع الفن .. في الوقت نفسه قصص بورخيس ـ كما يقول بعض النقاد ـ لا تمنح نفسها بسهولة واعتقد أنَّ قصصه لم يكتبها للمنح لكن للأخذ .. والقصص التي تجعلك تأخذها تعيش طويلاً .. فالقارئ الآخذ غير القارئ المستأذن .. الآخذ صاحب حب ويقين والمستأذن مهتز متردد قد لا يقبض على شيء خاصة في زمن السرعة هذا والقادم .. القصص المأخوذة تعيش طويلاً لأنها تجوع في كل يوم تتغذّي على نور المخيلات .. تبحث عن هذا النور في مخلوقات الحياة .. فمثلما نقرأ نحن القصص فالقصص أيضاً تقرأنا .. إن لم نكن قراءً جديرين بها فلن نعثر على القصص الجيدة .. فالقارئ الجيد مخلوق إبداعي .. والقصة الجيدة مخلوق إبداعي .. القارئ الجيد أبدعته الحياة والرؤية والكتب التي قرأها والموهبة الكامنة في روحه .. ومرّ بمخاضات كثيرة مؤلمة حتى أمتلك الذوق والإحساس والتفاعل وكل شيء متعلق بكيمياء القراءة وأيضاً لم تستدرجه قراءته الجيدة لأن يكتب .. فهو يرى ما قرأه ويعرف نفسه هل سيكتب في مستوى ما قرأ أم أنه سيخجل .. القارئ الجيد ركل الاستسهال إلى القمامة ومضي يقرأ .
إنْ لم نكن قراء جيدين لن نعثر على القصص الجيدة .. ستختفي القصص الرائعة من أمامنا .. بل أمامنا سيختفي حتى لا نسير فيه لنصطدم بجمال لا نقدره ونحترمه .. القصص الجميلة ستشم رائحة الرداءة فتبتعد إلى حيث تجد من يعشقها .. الكثير قرأوا قصصاً جميلة لكنها تركتهم ولم تترك عبقها فيهم .. لقد وجدت حطبهم عطناً فقاومت أنْ تشتعل فيهم .. قالت لحطبهم أنا قصة سيئة أتركوني الله يرحم بيّكم أغادر .. نفخت على لهب غروره وفلتت .
سيظل بورخيس كاتباً متميزاً وأمثولة قد لا تجود الحياة بمثلها فنصوصه التقط قيمتها من أمهات الكتب .. قرأ الجميع وألمَّ بالجميع .. قرأ العرب والصين والأوربيين والأمريكان وأجناس الكون كلها .. قرأ الجماد أيضاً ثم قرأ نفسه وهي تضطرم هو من الكتّاب القُـرَّاء وهؤلاء الكتاب الآن قليلون يعدّون على الأصابع البشرية نذكر منهم مثلاً ميلان كونديرا وأمبرتو أيكو وخوسيه ساراماجو والذي هو أيضاً أعماه الحرف .
بورخيس خلط نفسه في قراءته ثم عصرها لتقطر لنا ما قرأنا له من قصص.. وأجزم أنَّ قصص بورخيس التي قرأناها مترجمة إلى العربية في لغتها الأصلية قطعاً نفسية من الإبداع .. وذلك لِمَا يرتكبه المترجمون الحمقى من كوارث تجعل الإبداع يندب حظه ويبكي .
لم يكتب بورخيس رواية لكن ما أراده ابدعه في قصائده وقصصه القصيرة وسيرته العمياء .. فهو قرأ الكم وأبدع الكيف .. لكن هذا الكيف القليل هو كم هائل من الجنون .. هو إبداع مركز .. ينهل منه الكتاب اللاحقون ويذيبون قطرات منه في ماء حبرهم فيبدعون منطلقين من أرضية خصبة تمنحهم نصف نجاح النص على أقل بسهولة .
سنجد بورخيس مبتسماً وراضياً الآن يمرح ويتقلب في معظم النصوص المتداولة في الساحة الثقافية الليبية والعربية والعالمية .. نجده في الشعر والقصة والنقد والسيرة الذاتية .. نجده حتى في لوحات التشكيليين الخائضين في السرد على حساب الجماليات البصرية .. من الصعب أن يتخلص قارئ بورخيس من البورخيسية .. أقصد بالقارئ الجيد للأدب .. فبورخيس سطوة وسرطان أدبي من المعجزات أن يتم التخلص منه .. مهما غسل قارئ بورخيس حروفه في الماء وقطّر حبره في مقطرة البخار فسيظل بورخيس الأعمى وسيظل عبقه الذي لن تخطى المشام دروب وأصابعه وعكازه .. وبالرغم من أنَّ بورخيس قد ترك كافكا بعيداً .. أبتعد عنه بعدد صفحات الكتب التي هضمها .. ابتعد عنه ودفع الثمن .. نور عينيه .. لم يعد يرى النساء الجميلات والطبيعة الحيّة .. هذه القراءة التي جعلته كاتباً موسوعياً دفع ثمنها راضياً .. عاشقاً كالفراشات التي تسفح نفسها على النور الساخن .. فقد بورخيس بصره فتحول من رائياً إلى متلمساً .. ومن وجهة نظري أنَّ المتلمس أفضل من الرائي .. لأنّ اليد أقرب من العين .
الوقت الآن الصباح الباكر .. الخامسة صباحاً .. الجو بارد ،، استحممت بالماء البارد لأن السخانة عاطلة وجلست أكتب السطور السابقة .. لم أُعد القهوة ولم أشعل سيجارة خيالية .. الحمّام البارد جعلني معتدل المزاج .. ومنحني رغبة شديدة في الكتابة .. وأنا أكتب عن بورخيس لاحت مني نظرة إلى كوم الكتب فرأيت كتاب القاص الجميل "عمر بالقاسم الككلي".. المعنون بمنابت الحنظل والشيء الذي ينأى.. قلت لا بأس حنظل على الصباح ليس هناك مشكلة .. سنكتب بحبر الحنظل .. منذ أنْ بدأت الكتابة كنت حريصاً على قراءة قصص الككلي .. كان نجماً في الإعلام المحلي .. قصصه تنشرها وتحتفي بها كافة المطبوعات الليبية وكل الذين يتعاطون النقد في بلادنا يكتبون عنه خاصة أصحاب النزعات اليسارية وبدأت أقرأه وأحلل قصصه في وجداني أو في مخيلتي محاولاً أن أجد شيئاً لم أجده في قصص الآخرين ليبيين وعرب .. كل الذين كتبوا يحكون عن اللغة التكثيف الزوائد .. سلامة اللغة العربية .. قصصه مثل القصيدة .. القصة الشعرية .. وبالرغم من ذلك لم أتوقف .. وبالرغم من ذلك لم أتوقف عن قراءته .. واصلت قراءته .. قرأت له نصين جميلين بعنوان أبي .. أمي .. يحكي فيهما عن والديه وعلاقتهما بسجنه.. نصان حزينان .. رائعان .. قرأت له قصصا أخرى كلها منطلقة من أيدلوجية اشتراكية .. تريد أن تقّسم الخير والشر والراحة الألم على الجميع .. قرأت له الكثير من القصص الجميلة .. لكنها كلها لم أتوقف عندها .. قرأتها وتمتعت بها وذهبت في حالي وذهبت في حالها .. لم تكن نصوص الككلي تخُصـه وحده ففي نصّه نجد آخرين .. خاصة بورخيس .. فقصة بورخيس التي بها رجل جالس في الحديقة يعود به الزمن إلى الوراء أو يذهب إليه في الأمام .. الجالس على الكرسي هو نفسه القديم والحديث المشاعر لا تتغير بسبب المكان او الزمن قصة بها حفر عميق وجرح غائر ينفث الحياة .. الآخر في قصة بورخيس هو الآخر نفسه الذي نجده في شخصية الطفل في قصة الككلي تكيفاً التي بها دراجة قديمة وجديدة .. هناك قصص كثيرة للكلي تتقاطع مع بورخيس وتعود إليه سريعا فتصاحبها في رحلتها ولا تكاد تفارقها إلا في بقع مبعثرة هنا وهناك .. لكن دائماً المبدع يعاني ويتألم ويلعب ليصل إلى شيء وليلفلت من قبضة الماضي بأزمانه الثلاثة .. ففي الماضي أيضا حاضر ومستقبل وماضي قديم .. ها هو الككلي أراه قد راوغ بورخيس وهرب منه مختفياً في عالم ككلي خاص صعب على روائح بورخيس أنّ تتلمسه .. عالم أبدعه بنفسه وصنعه بطوب تجلياته وماء تأمله الطويل .. ذاب في عالمه الجديد جيداً ثمَّ عاد إلى الساحة ليكتب قصته التي اعتبرها قصة عالمية وهي قصة ( غوث ) وأقول أنَّ عمر الككلي قاص مدهش وكل قصصه من السهل والممكن تقليدها أو إنتاجها من قبل كتاب آخرين .. لكن هناك قصة غوث فهي من الصعب أنْ يتم كتابتها مجدداً ولو من الكاتب نفسه .. وبالرغم من أَّن هذه القصة بورخيسية في الشكل والمضمون فهي تتحدث عن المعرفة وميراثها وانتقالها من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل إلاّ أنَّ الككلي قد صنع شيئاً جديداً في هذا الزمن .. ففي هذه القصة قال لنا أنه يستطيع أنْ يعود بالمستقبل والحاضر ويقدمه طبقاً عرفانياً وفياً لذاك الماضي الذي نظن أنه رحل .. الككلي تغذى على نصوص ماضية وقدّم لها حياته ليجّرها إلى هنا أو إلى الآن عبر تفكيكها وترجمتها إلى لغة الحاضر .. نصوص جميلة مجهولة منحها حياة جديدة واقتص لنفسه قليلاً من هذه الحياة ليعيش به الآن في زمنه الميت .
قصة ( غوث ) بسيطة من القصص التي يطلق عليها مصطلح مباشرة وتقريرية .. يكتبها أي كاتب ولو مبتدئ .. جمل عادية .. صور عادية .. حبكة عادية .. تحكي القصة عن كاتب مرتبة يتأخر .. وغير متصالح مع خطاب الدولة كي تغدق عليه بخيرها .. ماذا يفعل ؟ .
لم يخرج من فن القصة .. ذهب إلى قصص زملائه الكتاب في اللغات الأخرى .. انتقى منها ما أعجبه وواكب ذائقته ومزاجه .. ترجم هذه القصص بحب ونشرها في جرائد ومجلات تدفع مقابل مادي مكنه أن يعيش بكرامة .. كتب القصة وهو يتهكم خائفاً من توجيه تهمة التعامل مع دول أجنبية .. فقال أنه تعامل مع بلدان وليس دولاً.. فكرة القصة رائعة .. كُتاب يطعمون بنصوصهم كتاباً آخرين لا يعرفونهم مباشرة .. نصوص تتبادل المصالح .. الكتّاب الذين ترجم لهم الككلي من دول وأعراق كثيرة .. منهم الراحلون ومنهم الباقون أحياء حتى الآن .. الخلاصة أنَّ الككلي عاش والقصص التي ترجمها عاشت مجدداًً في لغة جديدة .. أي أن الحبر خاصة إن كان بطعم الحنظل ولونه لا يموت .. ولحظة الإبداع التي أنتجت تلك القصص لم تنته بعد .. حجر صغير رماه مبدع الماضي في بحيرة فأحدث دوائر تبتعد عن النواة وتمتد إلى ما لا نهاية .
هذه الما لا نهاية التقطها الككلي قائلاً لنا أنَّ الأدب الحقيقي كنز لا تمسكه الأيدي ولا تنقفل عليه الخزائن .. ولا أقصد بالحقيقي مفهوم الصدق والكذب .. أو الأصيل والمزيف .. أقصد الأدب الذي دمّه خفيف والذي لا تمل من قراءته والتمعن فيه والزاخر بطعم لاذع ليس بالضرورة أن يكون طعما لسانيا .
الكُتاب الذين ترجم عنهم الككلي قصصهم من جنسيات مختلفة .. ومن ألوان مختلفة .. ومن أديان مختلفة .. ومن أماكن مختلفة ..
الككلي تناول طعام حياته في طبق مزدان بلزاجة الزمن به رقصات الزمن وغنائه ورقصه .. به موته وحياته .. به الفصول الأربعة والأزمان كلها .. به الزلازل والبراكين والجليد والسافانا .. به الاستعمار والتطرف والتحرر .. به الإيمان والكفر .. كل قصة ترجمها وأنفق أجرها أسبغت عليه حياة جديدة ونكهة جديدة .. الآن الككلي مخلوق عالمي .. ساهم الأدب العالمي في استمرارية حياته وحياة أسرته .. أدب الماضي والحالي الذي ترجمه هو ضمان اجتماعي لا يؤخر صرف المرتبات عن مواعيدها .. بل دفع له هذا الضمان بسخاء ..دفع له مالاً ومتعة وحياة وخلودا .. كل القصص التي ترجمها الككلي عاشت مجدداً ولن تنسى صنيع هذا الككلي فكلما قرأها قارئ ستقول له أشكر عمّك عمر .. لولا عمر ما كنت بين يديك الآن أنفعك وستتناسل القراءات وستتحول هذه القصص إلى مشاريع ثقافية كبيرة تغطي غبار الإنسانية بالورود .
هو خدم نفسه وخدم الكُتـّاب وخدم القارئ وخدم العالم من دون أن يلبس لباس الخدم أو قفازات القمّامين .. خدم الجميع عارياً .. لا يرتدي شيئاً .. حتى الصدق خلعه ورماه ليتقلب في مغاسل الشفافية .. دفن نفسه في قبر الورق أياماً وأياما حتى تمَّ البعث والنشر واستلام المردود المادي والمعنوي والإبداعي .
العولمة التي تصدّع رؤوسنا في المحافل الثقافية والاقتصادية اكتشفها الككلي عبر ترجمة هذه النصوص .. قدمها لنا بصورة مذهلة .. لن نقول إنها عولمة ثقافية لأنه قاص .. لكنها عولمة إنسانية .. فقير ذهب إلى الماضي .. أحضر منه قوته .. إه يطعن الواقع بمسمار من الحنظل .. لأن الواقع حلاوته زائدة عن الحد أو فوق الحد .. حتى إن الذباب يطن ويزن ويوسخ هذا الواقع من دون هوادة .. لو وجد الككلي أنَّ الزان والطنان نحل أو نمل لما قام بفعلته النجلاء هذه .. ففي هذه القصة غوث .. أبدع لنا جرحاً سيجلب الذباب ليقف عليه وينهشه والجرح الذي يجلب الذباب هو جرح حي بعكس الجرح المهمل الذي لا يغري فضول أحد .
عمر الككلي لم يفعل شيئاً جلس ليكتب فتمرد قلمه عليه وجعله يتأدلج بطريقة أخرى ليس بها حليب وبسكويت وقطع خبز .. جعله أي قلمه يلج العالم من أبواب المعرفة .. والكتب .. وعودة الككلي للتعاطي مع الكتب دعوة جديدة في أعماقه لمراجعة ما اعتنق من رؤى .. فألف ليلة وليلة وأبن رشد وبابل .. والدون كيخوت .. هي كتب ومدونات تدعو إلى مزيد من التوغل والغوص الأركولوجي المتين .
قصة غوث من القصص العالمية وسيكون لها مكانها اللائق والمضيء في المكتبة العالمية .. وإنني فخور بهذا الأديب مبدع القصة عمر الككلي لأنه صديقي و من هنا .. هنا لا أعني بها ليبيا .. أعني بها شيئاًُ آخرا .. ستجدونه في الغوث .. فاكتشفوه ومن يكتشفه سأمنحه قبلة يختار مكانها .. وشكراً مقدماً أيتها القارئات .. وغيثوها يا عقّـالها ..... وجيبو اللي في بالها .
كتب للمؤلف:*- إلغاء الهوامش وانتفاء الأفعال- صناعة محلية.. الدار الجماهيرية – ليبياتاريخ الطبع: 2000-2001
*- عوالم عمر أبو القاسم الككلي القصصيّةالدار الجماهيرية – ليبياتاريخ الطبع: 2000-2001
*- الشيء الذي ينأىمجلس الثقافة طرابلس- ليبيا- 1972
*- منابت الحنظلمجلس الثقافة والعلومطرابلس- ليبيا- 2006